جميعُ المطارات عندي سَواءْ
جميع الفنادق عندي سَواءْ
وكلُّ ارتحالٍ قُبيلَ الشروقِ
وبعدَ المساءْ
سَواءْ
وكلّ الوجوهْ
تطاردني عند كلّ وداعْ
تلاحقني عند كلّ لقاءْ
سواءْ
ففيمَ العناءْ؟
ففيم العنَاءْ؟
..
أفيق مع الفجرِ..
أشرب شايَ الصباحْ
أسيرُ إلى غابة الأمسِ واليومِ
( غازي القصيبي ) رحمه الله
الجزء الرابع عشر
بينما كانت رزان في الفصل ولم تشأ النزول للساحة وقت الفسحه، باتت تفكر بجديه في الرجوع إلى وليد بعد رسالته الأخيره البارحة بعد منتصف الليل.. رغم أنها لا تزال غاضبه على كل ما فعله .
بكل سهولة ينهي الحوار، حوارَ القلوب والعواطف.. بكل سهولة أذِن لدموعها أن تنزل، ولم يمضي إلاّ القليل حتى يتعرف على غيرها. ضايقها تصرف نوره في البدايه، لكن ما فعله وليد كان كفيلٌ بأن ينسيها جروحاً لا تُنسى! وضعت رأسها على " الماصه " وكانت وحدها في الفصل مما سنح لها بأن تتنهد وبصوت مسموع، لا يزال شعورها تجاه وليد نفسه الشعور أول مرة. مزيج من الأبوّة والزوج تجتمعان فيه، صادق بما يكفي لأن يفقد أغلى ما لديه.. أرادت فقط أن تسأله " ليه ..؟ "
دفعت نوره باب الفصل كرجال شرطة اقتحموا منزل مشتبه به، لم يتسنى لرزان بأن تمسح آثار دموعها التي قد طبعت على خديها وبدلا من ذلك حاولت جاهده أن تبتسم وتقول بطريقه ( عربجيه ) " خير خير.. وش في أمك تفتحين الباب كذا ؟ " كانت نوره تعض على شفتيها وتحبس داخل عيناها موجة دمع، اتجهت مباشرة إلى رزان واحتضنتها وبدأت تبكي.. كان رابطاً مشتركاً بينهن في لحظة واحده، فاجأها واحتضنتها رزان بحنان الأم وهي تسأل عما حدث في الأسفل، إنها المرة الأولى التي ترى فيها نوره وهي تبكي. الكل يعرف من هي نوره.. الفتاة التي لا تكل ولا تمل من الضحك وإضحاك من حولها، الفتاة الخالية من الأحزان.. وهي من أشد المقاطعين لكل ما يقربها من الأحزان، وأول تلك الأشياء هم الشباب .
فهي تشبههم بعض الشيء، بحكم أنها الفتاة الوحيدة من بين أربعة أخوان وقربها الشديد منهم جعل من" المزح الثقيل " من الأمور الخفيفه في نظرها، والكلام البذيء إنما هو مديح، والشعر القصير أكثر ترتيباً.
في ظل هذه الظروف لم يكن من الطبيعي أن يمسح على شعرها أحد وأن يخبرها كم هي جملية أو أنها فاتنة الجمال، ومجرد التفكير في ذلك يشعرها بالغثيان وفي بعض الأحيان تكون أشبه بالمزحه، لكنها ( ثقيله ) .
كانت نوره تبكي كالطفل وشعرت رزان بأن مكروها قد حدث لأحد أفراد عائلتها أو أن هناك من مات. حاولت نوره أن تمسح دموعها وأن تهدأ قليلا قبل انتهاء الفسحه لتتحدث إلى رزان، لكن في كل مرة تحاول.. تعود إلى البكاء. تألمت رزان لهذا المشهد وطلبت منها السكوت قبل أن تبكي، لكنها كانت تطلب ذلك وهي بالفعل تبكي.
لم يكن الوقت يسمح للتحدث في مثل هذه المواضيع، على الرغم من عدم معرفتها، إلاّ أنها من الواضح كبيرة بما يكفي لأن تبكي مثل طفل. " وش فيك ؟ "سألت رزان وهي تتأمل تلكَ العينان وقد غرقتا بالدموع .
" مافيه شي " وكأنها تطلب من رزان تكرار السؤال
" نوره وش صاير ؟ " .
كانت نوره على يقين أنها إذا أخبرت رزان بما يحدث، سيحدث ذلك تغييرا في علاقتهم. لكن لم يكن هناك خيار، فما حدث قد حدث للتو.. ويجب التصرف في أسرع وقت ممكن. " ما راح تتفهمين.. كلكم ما راح تتفهمون " قالت نوره وهي ترغب بأن تكسب المزيد من التعاطف " نوره أنا اقرب وحده لك.. وأوعدك ما راح تندمين إذا قلتي لي " وكل ما يهمها رزان هو أن تعلم ما مدى خطورته " تذكرين دلال ؟ " سألت نوره بينما لم يكن من المهم أن تعرف رزان من تكون دلال " مين دلال؟ دلال محمد اللي تجي تسولف معنا بالساحه دايم ؟ " زاد الموضوع تعقيداً بالنسبة لرزان، فما علاقة تلك الدموع بدلال.. ربما مات أحد أقاربها وتأثرت نوره بعد سماعها القصه ولم تشأ البكاء أمامها " إيه " أجابتها نوره وهي متردده " وش فيها !! " كانت رزان ترغب بإنهاء الموضوع " أحبها " آخر رصاصة تملكها نوره وقد أطلقتها.
لم تصدق رزان ما يحدث من حولها، ولماذا أقرب الناس! " ءأعاتبك أمي لأنك أنتِ من سمح لي بكل شيء ولم تمانعي رغباتي المراهقه، هناك ما يربط بينكِ وبين آلامي يا أمي، كلما شعرت بالألم والحزن، تذكرتكِ.. هل لأنكِ سببها أم أنك دواؤها؟ وأنتَ يا وليد.. كيف سمحت لك رجولتك التي أوهمتني بها بأن تتلاعب بصغيرتك وهي محتاجة إليك، أيزيد ذلك من معيار رجولتك حينما تخضعُ دموعي وتصرخ لتناديك ؟ والآن أنتِ يا نوره وكل ما تبقى من صندوقي الصغير، كنتُ علي وشك إغلاقه، إلاّ أنّك رغبتي الخروج ولم تبقى سوا أوراقُ ذكرياتكم . " بينما كانت تلكَ الأفكار تَشغَلُ رأس رزان، كانت نوره مجتهدة في الشرح والتوضيح لرزان مالذي يحدث بينها وبين دلال، وأنها حينما أخبرت دلال عن موضوع مكالمتها لوليد لتتأكد بأنه يستحق صديقتها رزان أو لا... أطلقت دلال سهامها وبدأت تشتم وتتهمها بالخيانه، وفي تلك اللحظه حاولت نوره توضيح الموقف، إلاّ أن دلال طلبت عدم رؤيتها مره ثانيه وأنها ستجد غيرها .
كانت القصه مؤلمه ومؤثره جدا لو كانت رزان مُغرمة بأخرى، لكنها بدَت سخيفة أكثر مما تصورت، وتمنت لو أن بستطاعتها أن تصفعها وتطلب منها أن تعود لدلالها " نوره انا مو مستوعبه " وكأن رزان تطلب من نوره تعديل ما قالته لتصدقها " قلت لك، محد فيكم يتفهم " كان تذكيراً لرزان - من تحت الحزام - حينما وعدتها .
عند الساعة الواحدة صباحا بعد منتصف الليل، كانت رزان تستعد إلى النوم وكانت تشعر بتعب شديد، وقد كان يومها حافلاً. لم تكن ترغب بالتفكير في ما حدث اليوم مع نوره، بإمكانها إكمال ذلك غدا، لكن ماذا عن وليد؟ إنها المرة الأولى التي تشتاق إليه منذ أن رحل، ابتسمت حينما تذكرت رسالته وشعرت بأنه إن لم يكن نائما، فهو يفكر كما تفكر .
تناولت الهاتف لتكتب رقمه وتضغط زر الاتصال ليطبع اسمه على الشاشه ويبدأ قلبها يرن .
جميع الفنادق عندي سَواءْ
وكلُّ ارتحالٍ قُبيلَ الشروقِ
وبعدَ المساءْ
سَواءْ
وكلّ الوجوهْ
تطاردني عند كلّ وداعْ
تلاحقني عند كلّ لقاءْ
سواءْ
ففيمَ العناءْ؟
ففيم العنَاءْ؟
..
أفيق مع الفجرِ..
أشرب شايَ الصباحْ
أسيرُ إلى غابة الأمسِ واليومِ
( غازي القصيبي ) رحمه الله
الجزء الرابع عشر
بينما كانت رزان في الفصل ولم تشأ النزول للساحة وقت الفسحه، باتت تفكر بجديه في الرجوع إلى وليد بعد رسالته الأخيره البارحة بعد منتصف الليل.. رغم أنها لا تزال غاضبه على كل ما فعله .
بكل سهولة ينهي الحوار، حوارَ القلوب والعواطف.. بكل سهولة أذِن لدموعها أن تنزل، ولم يمضي إلاّ القليل حتى يتعرف على غيرها. ضايقها تصرف نوره في البدايه، لكن ما فعله وليد كان كفيلٌ بأن ينسيها جروحاً لا تُنسى! وضعت رأسها على " الماصه " وكانت وحدها في الفصل مما سنح لها بأن تتنهد وبصوت مسموع، لا يزال شعورها تجاه وليد نفسه الشعور أول مرة. مزيج من الأبوّة والزوج تجتمعان فيه، صادق بما يكفي لأن يفقد أغلى ما لديه.. أرادت فقط أن تسأله " ليه ..؟ "
دفعت نوره باب الفصل كرجال شرطة اقتحموا منزل مشتبه به، لم يتسنى لرزان بأن تمسح آثار دموعها التي قد طبعت على خديها وبدلا من ذلك حاولت جاهده أن تبتسم وتقول بطريقه ( عربجيه ) " خير خير.. وش في أمك تفتحين الباب كذا ؟ " كانت نوره تعض على شفتيها وتحبس داخل عيناها موجة دمع، اتجهت مباشرة إلى رزان واحتضنتها وبدأت تبكي.. كان رابطاً مشتركاً بينهن في لحظة واحده، فاجأها واحتضنتها رزان بحنان الأم وهي تسأل عما حدث في الأسفل، إنها المرة الأولى التي ترى فيها نوره وهي تبكي. الكل يعرف من هي نوره.. الفتاة التي لا تكل ولا تمل من الضحك وإضحاك من حولها، الفتاة الخالية من الأحزان.. وهي من أشد المقاطعين لكل ما يقربها من الأحزان، وأول تلك الأشياء هم الشباب .
فهي تشبههم بعض الشيء، بحكم أنها الفتاة الوحيدة من بين أربعة أخوان وقربها الشديد منهم جعل من" المزح الثقيل " من الأمور الخفيفه في نظرها، والكلام البذيء إنما هو مديح، والشعر القصير أكثر ترتيباً.
في ظل هذه الظروف لم يكن من الطبيعي أن يمسح على شعرها أحد وأن يخبرها كم هي جملية أو أنها فاتنة الجمال، ومجرد التفكير في ذلك يشعرها بالغثيان وفي بعض الأحيان تكون أشبه بالمزحه، لكنها ( ثقيله ) .
كانت نوره تبكي كالطفل وشعرت رزان بأن مكروها قد حدث لأحد أفراد عائلتها أو أن هناك من مات. حاولت نوره أن تمسح دموعها وأن تهدأ قليلا قبل انتهاء الفسحه لتتحدث إلى رزان، لكن في كل مرة تحاول.. تعود إلى البكاء. تألمت رزان لهذا المشهد وطلبت منها السكوت قبل أن تبكي، لكنها كانت تطلب ذلك وهي بالفعل تبكي.
لم يكن الوقت يسمح للتحدث في مثل هذه المواضيع، على الرغم من عدم معرفتها، إلاّ أنها من الواضح كبيرة بما يكفي لأن تبكي مثل طفل. " وش فيك ؟ "سألت رزان وهي تتأمل تلكَ العينان وقد غرقتا بالدموع .
" مافيه شي " وكأنها تطلب من رزان تكرار السؤال
" نوره وش صاير ؟ " .
كانت نوره على يقين أنها إذا أخبرت رزان بما يحدث، سيحدث ذلك تغييرا في علاقتهم. لكن لم يكن هناك خيار، فما حدث قد حدث للتو.. ويجب التصرف في أسرع وقت ممكن. " ما راح تتفهمين.. كلكم ما راح تتفهمون " قالت نوره وهي ترغب بأن تكسب المزيد من التعاطف " نوره أنا اقرب وحده لك.. وأوعدك ما راح تندمين إذا قلتي لي " وكل ما يهمها رزان هو أن تعلم ما مدى خطورته " تذكرين دلال ؟ " سألت نوره بينما لم يكن من المهم أن تعرف رزان من تكون دلال " مين دلال؟ دلال محمد اللي تجي تسولف معنا بالساحه دايم ؟ " زاد الموضوع تعقيداً بالنسبة لرزان، فما علاقة تلك الدموع بدلال.. ربما مات أحد أقاربها وتأثرت نوره بعد سماعها القصه ولم تشأ البكاء أمامها " إيه " أجابتها نوره وهي متردده " وش فيها !! " كانت رزان ترغب بإنهاء الموضوع " أحبها " آخر رصاصة تملكها نوره وقد أطلقتها.
لم تصدق رزان ما يحدث من حولها، ولماذا أقرب الناس! " ءأعاتبك أمي لأنك أنتِ من سمح لي بكل شيء ولم تمانعي رغباتي المراهقه، هناك ما يربط بينكِ وبين آلامي يا أمي، كلما شعرت بالألم والحزن، تذكرتكِ.. هل لأنكِ سببها أم أنك دواؤها؟ وأنتَ يا وليد.. كيف سمحت لك رجولتك التي أوهمتني بها بأن تتلاعب بصغيرتك وهي محتاجة إليك، أيزيد ذلك من معيار رجولتك حينما تخضعُ دموعي وتصرخ لتناديك ؟ والآن أنتِ يا نوره وكل ما تبقى من صندوقي الصغير، كنتُ علي وشك إغلاقه، إلاّ أنّك رغبتي الخروج ولم تبقى سوا أوراقُ ذكرياتكم . " بينما كانت تلكَ الأفكار تَشغَلُ رأس رزان، كانت نوره مجتهدة في الشرح والتوضيح لرزان مالذي يحدث بينها وبين دلال، وأنها حينما أخبرت دلال عن موضوع مكالمتها لوليد لتتأكد بأنه يستحق صديقتها رزان أو لا... أطلقت دلال سهامها وبدأت تشتم وتتهمها بالخيانه، وفي تلك اللحظه حاولت نوره توضيح الموقف، إلاّ أن دلال طلبت عدم رؤيتها مره ثانيه وأنها ستجد غيرها .
كانت القصه مؤلمه ومؤثره جدا لو كانت رزان مُغرمة بأخرى، لكنها بدَت سخيفة أكثر مما تصورت، وتمنت لو أن بستطاعتها أن تصفعها وتطلب منها أن تعود لدلالها " نوره انا مو مستوعبه " وكأن رزان تطلب من نوره تعديل ما قالته لتصدقها " قلت لك، محد فيكم يتفهم " كان تذكيراً لرزان - من تحت الحزام - حينما وعدتها .
عند الساعة الواحدة صباحا بعد منتصف الليل، كانت رزان تستعد إلى النوم وكانت تشعر بتعب شديد، وقد كان يومها حافلاً. لم تكن ترغب بالتفكير في ما حدث اليوم مع نوره، بإمكانها إكمال ذلك غدا، لكن ماذا عن وليد؟ إنها المرة الأولى التي تشتاق إليه منذ أن رحل، ابتسمت حينما تذكرت رسالته وشعرت بأنه إن لم يكن نائما، فهو يفكر كما تفكر .
تناولت الهاتف لتكتب رقمه وتضغط زر الاتصال ليطبع اسمه على الشاشه ويبدأ قلبها يرن .